عندما يتطلع المرء من شباك الأتوبيس على الكم الهائل من الأبراج الشاهقة التي تنتشر على طول نهر النيل تشعر على الفور أنك تعيش في نيويورك أو واشنطن أو عاصمة الضباب لندن وان سكان هذه البلد من كبار الأثرياء ، وبعد لحظات ، وأنت داخل الأتوبيس يدهس قدمك مواطن يحمل بعض أكياس مملوءة بالطماطم والعيش الأسود وبعض الخضروات الشعبية من الفجل والجرجير ، تفيق حين ذاك وتتذكر أنك في عاصمة الفقراء القاهرة الفاطمية ، وما هي إلا دقائق ولا تجد لنفسك متنفس في الأتوبيس ، فهي مصنعة لتحمل داخلها ستون مواطن على أكثر تقدير ، فإذا بها تحمل مائة وعشرين مواطن محملين بأدوات أعمالهم ومعايشهم ومنهم المريض الذي يتوجع ، وكبير السن الذي يلعن كثرة الأولاد وشظف العيش ، ومنهم الحامل التي تتمايل من اجل أن يمن عليها احد
ويجلسها مكانه ، وترى كل مشاهد المعاناة داخل هذا الأتوبيس ، وتشعر عزيزي القارئ أنك في عالم خاص خارج الكرة الأرضية وحتى تصل إلى مبتغاك تكون على علم كامل بأحوال هذه البلد ، وأن ما تراه من أبراج شاهقة الارتفاع وعمارات تحتل واجهات الشوارع المواجهة للنيل هي لأناس ليسوا من أهلنا وجلدتنا ، بل هم من عالم أخر ، جاءوا إلى هذه البلد عن طريق الخطأ ،وعندما تقوم من جلوسك ومقعدك وتحاول الخروج من الأتوبيس تجد ذلك من المستحيلات ، فيجب عليك أذا رغبت في النزول أن تترك رجولتك وكرامتك وما تحمله من أوراق أو تحاليل أو مأكولات ، وربما بعض ما ترتدي من نظارة أو ساعة أو ما هو مثل ذلك ،
وربما بعض ما تلبس ، ثم تستعد للمرور بين مفرمة من البشر ، قد تخرج بعدها إلى أحد المستشفيات ، وإذا أكرمك الله وخرجت سليما ، قد تجد انك تعرضت للسرقة وهذه أضعف الأحداث ،وتنزل من الأتوبيس إلى أرض الواقع وتعود إلى دائرة الصراع من أجل لقمة العيش ، وكل أمل لك أن تجد بعد عدة سنوات سكن لابنك الصغير في المقابر التي تطل على سفح الهرم "وأن شاء الله للحديث بقية
2 أضف تعليق :
ايه البؤس ده
يكونش ده الواقع
محمد مصطفى
مع الأسف نعم في كثير من الأحيان
شكرا لتعليقكم
إرسال تعليق
نرحب بآرائكم وتعليقاتكم