بلغني أيها القارئ العزيز ذو الرأي السديد أن هناك وزير كُتب عنه في التاريخ بأنه كان لوزارته سفير، في حكومته أمير لحاشيته كالنهر النمير، لموظفي وزارته يغدق الأموال كأنه أمير . ينام على سرير . وثير، يأكل لحم النعام ويشرب الشعير، ويلبس الديباج والحرير، ويتحرك في موكب كبير وهو عندما يغضب عقابه عسير.
وذات يوم أفاق الوزير من نومه على حلم مرير، جعله في فزع كأسير، فنادي في حاشيته هل منكم من للأحلام خبير، فقام إليه موظف من الذين لا يكذبون وهم يجيدون للأحلام التفسير، فقال يا أيها الوزير أما آن لك أن تعرف أن عطاءك وسخاءك لحاشيتك و محاسيبك وموظفيك في الوزارة لهو وزر وإثم كبير وعطائك من بيت مال المسلمين وأنت عليه أجير ، فلا تشترى رضاء البشر بغضب ربك الذي يحاسب بالقطمير والقمطرير.
وأعلم أن من يتحدث عنك بأنك كريم وعظيم وعطائك غير ممنون لن ينفعك في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، وأعلم أيها الوزير أن من يمدحك الآن وأنت ببرجك المكين سوف يكون لغيرك من بعدك خادم أمين، فكل هذا الثناء لوجودك في مكتبك الفخيم وما أن يُنزع عنك مُلكك فسوف تدرك من الجميع الغبن والظلم العظيم، وسوف تجد نفسك وحيدا تلعن السنين، ولن تنفعك ملايين الأموال التي عليها تستكين وبها تستعين، وستشعر بعد مرور السنين أنك للدنيا زائر ولست من الخالدين وسوف تدرك أن الصحة تنفلت من الجبين وأن الشيب نذير لنهاية السنين وأن القبر معبر إلى حياة الخالدين في جنان المنعمين أو معبر إلى درك لعذاب من في النار مخلدين.
فيا أيها الوزير من ولاك هذه الوزارة كان ينتظر منك أن تخدم الشعب الذي وكَلك لتكون نائبا عنهم تتحدث باسمهم وتراعى شئونهم وتوفر لهم مأكلهم ومشربهم فلا تستورد لهم قمح فاسد أوبه آفات تؤدى للإصابة بالسرطان أو منتهى الصلاحية أو تستغل مرضهم فتستورد لهم المعدات الطبية الغير صالحة أو تكون غير أمين في علاجهم، فإن جاءك مريض إلى عيادة طبيب عامله أفضل معاملة وإن جاء إلى مصحة حكومية وجد الإهمال وسوء المعاملة، أو تستغل أميتهم بأن تسيَس لهم البرامج الدينية أو أن تحرمهم من أن تفقههم في الدين وتعلَمهم ما هو معلوم من الدين بالضرورة ،أو أن تحرمهم من فرصة العمل الشريف الكريم بسبب المحسوبية والمجاملات ،أو لا توفر لهم المسكن فلا يتيسر للشباب الزواج فتشيع الفاحشة، أو تستخدم موارد المسلمين في بناء المنتجعات والقرى السياحية التي تساعد على الفسق والفجور وترويج الخمور ،أو غير ذلك الكثير الذي يجعلك أيها الوزير في ظلمات السعي.
فلما أنصت الوزير لهذا الحديث النمير أقسم أن يعيد لبيت المسلمين مما سلب المال الكثير وأن يكون لمال المسلمين نعم الآمين.
وسكب الوزير الدموع وأصبح مع الصباح يخاطب الجموع بأنه لن يعيش إلا على ضوء الشموع ولن يكون للمال عن الفقراء منوع.
ولن يرتضى لقلبه إلا الخشوع.
0 أضف تعليق :
إرسال تعليق
نرحب بآرائكم وتعليقاتكم