ضاق مرضى أحد المستشفيات الحكومية بأنين أحد السيدات في متوسط العمر وبكائها وعدم نومها لعدة أيام من شدة الألم مما جعل من يرافقها في الغرفة لا يستطيع النوم ويطلب نقله من الغرفة لشدة أنينها وبكائها وكانت هذه السيدة و تدعى شوق تعيش وحيدة في غرفة بالمستشفى يشاركها فيها ثلاث سيدات ولا يقوم بزيارتها أو بخدمتها أحد بخلاف فتيات هيئة التمريض مما حذا بالمستشفى أن توفر لها من يقوم بتطهيرها وغسلها وإعاشتها ويقوم بعض الصالحين بتوفير بعض المال لتغطية نفقات علاجها وذات يوم أصيبت سيدة صالحة في حادثة وجاء بها الطبيب لتمكث بجوار هذه الفتاة في غرفتها وما أن أفاقت هذه السيدة الصالحة نسرين من آثار التخدير حتى سمعت صوت أنين الفتاة الذي لا ينقطع فما كان منها إلا أن تحدثت إلي الطبيب المعالج لهذه السيدة فقال لها إن اسمها شوق وهى تعانى من مرض الروماتويد المفصلي منذ ثلاث سنوات ولم يتقبل جسدها كل المسكنات على مدار ثلاث سنوات وجاءت إلى المستشفى وكانت تمتلك بعض المال
وكانت على درجة كبيرة من الجمال ولم يكن لها شكوى سوى بعض الآلام في مفاصل اليد والقدم وكنا نعطيها بعض الحقن المسكنة وتمضى إلى سبيلها ثم تعود في اليوم الثاني وقد اشتد عليها الألم ولم يعد يجدي معها المسكنات وظلت الحالة تسوء يوم بعد يوم حتى وصل بها الحال إلى ما هي عليه الآن ،وطوال هذه المدة لم يسأل عليها أحد.
وعلى الفور قامت السيدة نسرين بالانتقال إلى جوار السيدة شوق وقامت بمداعبة أناملها حتى نظرت إليها وعرفتها بنفسها وقالت لها إنها كانت داعية إسلامية بأحد الجمعيات وتعرضت لحادث فقدت على إثره البصر في عين وحمدت الله أن ترك لي العين الأخرى وترك لي نعم كثيرة لاتعدَ ولا تحصى ويكفى أن ترك لي لسانا ذاكرا وقلبا خاشعا، وإني لا أتعجب من يأسك وقنوطك من فضل الله وأعجب من عدم طاعتك لله في هذه الظروف فإن لم تلجئي لله الآن فمتى؟ فبالله عليك اجعليني أختا لك وحدثيني عن نفسك وظروفك فبكت شوق وقالت بصوت خافت إني كنت بنت وحيدة وتوفى والدي وأنا بنت إحدى عشر عام وكانت والدتي تعمل خادمة في الشقق المفروشة لكي توفر لي ولها مصاريف الأكل والمسكن والمدرسة والإعاشة وكانت في إجازة نصف العام تأخذني معها لأساعدها عند الأسرة التي تعمل لديهم وهناك توطدت الصداقة مع أولاد السيدة صاحبت المنزل وتلاشت الفوارق بيني وبين أبنائها طوال سبع سنوات حتى تقدمت للجامعة ومع أول عام دراسي لي في الجامعة تغيرت حياتي وتمردت على العيش مع والدتي وعشت في بيت المغتربات وتوطدت العلاقة بيني وبين أولاد السيدة التي تعمل عندها أمي حتى غرر بي الابن الأكبر ثم استنزفته ماديا لكي أستطيع أن أعيش في مستوى يليق بزميلاتي في الجامعة وبعد انتهاء الدراسة في الجامعة تعايشت مع الإخوة الثلاثة دون أن يعرف كلا منهم بعلاقتي بالأخر. وذات يوم شكَت السيدة في سلوكي مع أولادها فنهرتني ومنعتني من التواجد في منزلها ومنذ ذلك اليوم انطلقت إلى العمل في القطاع الخاص وعملت سكرتيرة في عدد كبير من الشركات ودمرت الكثير من البيوت والأسر بسبب تطلعاتي للثراء وبالفعل جمعت الكثير من المال حتى وقعت في يد رجل بلطجي هددني وجعلني أعمل لحسابه على مدار ثلاث وعشرين عام حتى مرضت فطردني إلى الشارع وأخذ مدخراتي فرجعت إلى بلدتي فعلمت بموت أمي منذ سنين فخارت قواي وزاد علي المرض ومكثت في أحد المستشفيات الخاصة حتى أنفقت أخر جنية أملكه فجاء بي أحد الصالحين إلى هنا ووضع في يدي بعض المال وكما تبصريني الآن أصبحت جثة بلا حراك.
فما كان من نسرين إلا أن أخذتها في أحضانها وقالت لها أنت من الآن ابنتي فعليك الآن أن تتوبي إلى الله وأخذت الحاجة نسرين تشرح لشوق كيف تتوب إلى الله ومدى فرحة الله عز وجل بتوبة عباده وعلمتها كيف تتوضأ وكيف تصلى وتعهدتها بكرمها ودعواتها وفقهتها في دينها ولم يمضى على تعارفهم أكثر من ثلاث أسابيع حتى تغير الحال بشوق وأصبحت تنام وتشعر بالطمأنينة في نومها ولا تنام عن صلاة الفجر وأصبحت داعية داخل المستشفى التي تقطن بها حتى دعتها الحاجة نسرين للعيش معها لتأنس وحدتها فانتقلت إلى العيش مع الحاجة نسرين وحجت معها بيت الله وطاب لها المقام عندها حتى توفاها الله وهى للطاعة منقطعة.
((قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ