عندما تفقد جوهرة ثمينة في صحراء جرداء مترامية الأطراف لمدة تزيد على نصف قرن ثم يكتب لك أن تجدها وسط كل هذه الرمال والتغيرات المناخية ستفكر كثيرا كيف سيكون حال هذه الجوهرة على مدار النصف قرن التي ضاعت فيها، هكذا كانت الجمهورية العربية المتحدة أو جمهورية مصر المتحدة أو جمهورية مصر العربية.
قامت ثورة 23 يوليو 1952 بتحرير البلد من الاحتلال البريطاني ثم تفرغ الثوار لتصفية بعضهم البعض وحدثت تكتلات بين أعضاء الثورة حتى استطاع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في انتزاع مقاليد الحكم ودانت له القيادة في عام 1954 وما هي سوى شهور وحدث العدوان الثلاثي عام 1956 وبفضل الله عز وجل تدخلت الإدارة الأمريكية وانسحبت القوات الغازية من القناة وكانت نقطة انطلاق لشعبية جارفة للرئيس جمال عبد الناصر وانطلق الرئيس جمال يساعد الدول العربية والأفريقية على التحرر من منطلق أن مصر دولة كبيرة ومحورية في المنطقة ويجب أن تساعد الدول على التحرر.
لم تستريح الدول الاستعمارية لهذا الدور لمصر فبدأت المكائد ضدَ مصر وكان أهمها رفض البنك الدولي تمويل إنشاء السدَ العالي وهنا ثار الرئيس جمال وقرر إنشاء كيان يكون غير خاضع للدول الاستعمارية فأنشأ مجموعة عدم الانحياز وكان مؤسسيها مصر والهند وتشيكوسلوفاكيا ،وكان الرئيس جمال على مدار السنين العشر الأوائل للرئاسة يجدَ لبناء نهضة صناعية في مصر فقام ببناء مصنع الحديد والصلب ومصنع الألمونيوم ومصنع تكرير السكر بنجع حمادي ومصنع السيارات بوادي حوف وغير ذلك من المنشآت.
ثم تدخلت الصحبة السوء وحاشية الشر وتقاسمت ميراث مصر وتفرغ كل ضابط في إدارة ممتلكاته حتى أفاق الجميع على نكسة 1967 واليهود على بعد 130 كيلو من القاهرة فلم يتحمل الرئيس الصدمة وفارق الحياة في 1969 تاركا مصر تتجرع مرارة الهزيمة فقفز إلى السلطة رجل لم يتفق على توليه المنصب معظم قيادات الأمة ولكن لأنه رجل داهية في السياسة تسلق وتخطى جميع العوائق وأصبح رئيس الجمهورية ألا وهو محمد أنور السادات ذلك الرجل الذى كانت عليه ألف علامة استفهام؟
كان الرجل على علم أنه غير محبوب من القيادة السياسية التي بيدها مقاليد إدارة الدولة فما كام منه سوى أن دبر لهم مكيدة جعلتهم يضعون رقابهم في قبضته فقضى عليهم جميعا في عدَة ساعات وقبل استقالتهم وانفرد بسدة الحكم، ومهد وأعدَ العدة لحرب التحرير حرب أكتوبر 1973 حرب 10 رمضان، وكان قمة في المكر والدهاء والتمويه حتى وفقه الله عز وجل وجيش مصر الذى كانت صيحته الله أكبر التي زلزلت الأرض تحت أقدام اليهود حتى تم استرجاع معظم الأرض فيما عدى مثلث طابا فقد تم التحكيم الدولي فيه.
وكالعادة تفرغ الرئيس السادات في معارك جانبية مع الجماعات الإسلامية وتنظيم الجهاد بعد أن رفض الجميع اتفاقية السلام مع الكيان الصهيوني التي كان من آثارها قطع معظم الدول العربية لعلاقاتهم مع مصر وكان من توابعها اغتيال الرئيس السادات في يوم 6 أكتوبر أثناء عرض عسكري فقام مجلس الشعب برئاسة صوفي أبو طالب بتعين نائب الرئيس في منصب الرئيس فجاءنا الرئيس السجين محمد حسنى مبارك، فبدأ خطواته الرئاسية برفع علم مصر على طابا بعد أن حكمت المحكمة الدولية بأن طابا مصرية.
هنا بدأت قدم الرئيس ترسخ على الأرض وشهدت مصر استقرار بعد أن أعادت بعض الدول علاقاتها مع مصر ولكن لم يشعر المواطن المصري بتحسن في المجال الاقتصادي وظلت المرتبات والأجور في أدنى مراحلها ورغم تغيَر حكومات عديدة لم يتغير الحال بالمواطن المصري بل زاد الغنى ثراء على ثراءه وزاد عدد الفقراء والمعدمين، وتعددت الوعود من الرئيس بأن الأعوام القادمة سوف تشهد رخاء ونخرج من عنق الزجاجة، ولكن ثلاث أرباع الشعب أصبح داخل الزجاجة والباقي ينعم بخيرات مصر وأصبحت مصر عزبة يديرها الرئيس وعائلته وأصدقائه وكلما رفعت رأس لتطالب بالعدل والمساواة زج بها في غياهب السجون حتى ضاقت السجون بالمعارضين والتيارات الإسلامية التي ذاقت العذاب بكل أشكاله وألوانه وأصبحت السجون المصرية لها سمعه عالمية يخشاها عتاة الإجرام وأصبحت مصلحة السجون كلية ومقصد يأتي إليه الخبراء من كل بقاع الأرض ليتعلموا أساليب التعذيب وكيفية سلبَ المتهم أدميته وكيفية تحويل السجين في شهور إلى إنسان فاقد لعقله!!
وشاعت عمليات بيع الشركات المصرية العملاقة للأصدقاء والرفاق والأهل بأبخس الأثمان مقابل عمولة تدفع للرجل الكبير في حساب في الخارج، وبيعت أراضي مصر قطعة قطعه وبيعت شواطئ مصر وتحولت إلى شواطئ عراة وشواطئ للمخنثين وقرى لليهود وأثرياء العرب ولصوص مصر الكبار وشعر الطاغية بعد مرور ثلاثين عام على وجوده على كرسي عرش مصر أنه فرعون مصر فخرج على شعبه في زينته وهو يفتخر بأن حزبه قد اكتسح الانتخابات التي شهد العالم أجمع بأنها مزورة وقال أن التيارات الإسلامية ليس لها وجود في الشارع السياسي، فكانت هذه الانتخابات القشة التي كسرت ظهر البقرة الحلوب!
حيث تكاتفت كل فئات المجتمع وتعددت المظاهرات المطالبة بالإصلاح، ولكن الطاغية يرى كل ذلك زوبعة في فنجان فهو لا يزال يسعى ليورث الحكم لأبنه رغم معارضة الشعب، وكان الله عز وجل يعدَ له مفاجأة تذهب بعقل الحليم حيث خرج الشعب في يوم عيد الشرطة في مظاهرة صغيرة معلن عنها مسبقا لتعبر عن سخط الشعب عن سوء الأوضاع ولكن سبحان الله تحولت المظاهرة إلى تراشق بين المتظاهرين والشرطة سقط على إثر ذلك بعض القتلى والمصابين مما جعل شرارة الانتقام تعم جميع المدن المصرية فيقوم الرئيس بعزل وزير الداخلية الذى بدوره أصدر أمر بانسحاب الشرطة من الشوارع والأقسام وجميع قطاعات الوزارة فهذا الرجل داهية ، فنتج عن ذلك انهيار المؤسسة الأمنية وشعر الرئيس بدنو أجله فقام بتمثليه عين على إثرها رئيس المخابرات نائبا له ولكن صحوة الشعب والمظاهرات استمرَت وأحرق المتظاهرين الأقسام والمديريات ومعظم المؤسسات الحكومية مما حذا بالرئيس إلى التنحي في 11 فبراير 2011 وسلم أمور الحكم لقيادة الجيش التي بدورها أنشأت مجلس أعلى من قيادات الجيش لإدارة شئون البلاد. ومن هنا بدأت مرحلة جديدة قدَ نسردها فيما بعد أو يسردها أبناءنا.
تحريرا في يوم عيد الفطر المبارك 2011 وللحدث إن شاء الله عز وجل بقية.
0 أضف تعليق :
إرسال تعليق
نرحب بآرائكم وتعليقاتكم