لم يدرك العامل فرج والد سراج أن نبوغ أبنه منذ أن كان في المرحلة الابتدائية حيث أنهى حفظ القرآن وهو في الصف الثاني الابتدائي مؤشر على أنه سوف يكون من المتفوقين على مستوى المحافظة وأن الدولة سوف تكرمه من ضمن العشرة الأوائل على مستوى الجمهورية حيث كان هذا التكريم دفعة قوية له ليكون ضمن وفد التكريم في الشهادة الإعدادية ثم الشهادة الثانوية حيث كانت القرية تفخر بابنها المتفوق سراج وكان يلقى الترحيب حيثما نزل في القرية وكان والده العامل في السكك الحديدية يكد ليل نهار ليوفر له ملبس كريم وعيشة طيبة تساعده على مواصلة تفوقه في الجامعة.
وكان للأب ما أراد حيث حصل سراج على بعثة علمية في الاتحاد السوفيتي بعد تخرجه من الجامعة وظل هناك لمدة أربع أعوام عاد بعدها وهو حاصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة وتم تعيينه فور عودته في الجامعة وكان حديث كل شباب القرية وكان القدوة لهم والمثل الأعلى؛ وظن أهل القرية وأسرة سراج أنه سوف يكون عون لهم على مشقة المعيشة ولكن كان لسراج موقف أخر حيث طالب والده ببيع بعض القراريط التي يمتلكها كي يتزوج ويعيش في القاهرة ومع إصرار سراج على أن يلبى والده له هذا المطلب وافق الوالد وقلبه يبكى دما على بيع أرض أجداده وقال ربما يوسع الله عز وجل على أبنى ويشترى عدَة أفدنة بدلا من هذه القراريط؛
وتزوج الدكتور سراج حيث يحب أن ينادى بهذا اللقب ويحزن أشدَ الحزن إذا ناداه أحد كبار القرية بسراج بدون لقب دكتور؛
وكم خاطب أهل القرية والده أنه يعاملهم بتعالي وأنه منذ أن جاء من بعثته لم يشاهده أحد يصلى في مساجد القرية!!
فما كان من والده سوى أن سأله عن السبب وراء عدم التزامه بالصلاة وهو الحافظ لكتاب الله عز وجل فكانت الطامة الكبرى؛ حيث أخبره أنه فعلا لا يصلى لأن الصلاة مضيعة للوقت ولن تجلب عليه مالا ولا منصبا سياسيا في الحياة بل سوف تجلب متابعة رجال أمن الدولة له وتابع كلامه إنه بعد دراسته في الخارج تعرف على نظريات جديدة تجعله يفكر كثيرا فيما كان يعتقد وبناء على هذا التفكير أعتنق الفكر العلماني ! فقال له والده وهو يكاد يسقط على الأرض من هول ما سمع ، وما هو هذا الفكر العلماني؟
فقال الدكتور سراج أن نرفض هذه الدروشة التي نعيش عليها ونخضع كل قول أو فعل للعقل فإن قبله قبلناه وإن رفضه رفضناه، فسارع الوالد بسؤاله وهل نخضع كلام الله عز وجل لعقلنا الضعيف وتفكيرنا المحدود؟
فقال له الدكتور سراج إن عقل الإنسان أصبح يطور الأشياء حتى وصل إلى القمر وربما ببعض العلم يصل العقل إلى حقيقة الكون فقال له والده وهو يكاد يجن ولماذا نثقل على عقولنا وقد بعث الله عز وجل لنا القرآن والسنة ليعرفنا خبر ما قبلنا وإلى أين مآلنا ، وعرفنا نبينا بأنها إما جنة ونعيم وإما نار وجحيم ؛
فسخر الدكتور من كلام والده وقال له إنني سوف أعقد ندوات في القرية لأبصر الناس بحقيقة الكون والخلق ، وهنا قاطعه والده وأمره بأن يترك القرية فورا وفى الليل وهو سوف يخبر أهل القرية بأنه مات ؛ وانصرف الوالد وهو لا تكاد تحمله قدماه وفى منتصف الطريق إلى داره سقط ميتا فقام أهل القرية بدفنه والثناء على أعماله وافعاله ،
وسافر الدكتور إلى جامعته ونسى أهله وقريته وأصبح حديث المدينة بأفكاره الجديدة التي كان منها في حديث على أحد الفضائيات حيث قال إنه يتعجب لرفض الآباء أن تعيش بناتهم مع رجال يحبونهم وينفقون عليهم لمجرد أنهم لم يتزوجوا بهم بينما يوافقون على أن البنت يعاشرها رجل أمام أعينهم لمجرد أن وقع على ورقة عند المأذون يقولون أنه استحل بها فرجها ، وهنا قال له المحاور هذا شرع الله عز وجل فقال الدكتور هذا تخلف ومنافى لحرية المرأة وهنا تكاثرت الاتصالات على هذه القناة تهاجم الدكتور سراج فما كان منه سوى أن أعتذر عن إكمال الحوار وانطلق بسيارته الفارهة وهو غاضب فاصطدم بعمود خرساني أمامه وتهشمت مقدمة السيارة وأصيب إصابة بالغة في عموده الفقري جعلته قعيد على كرسي متحرك لبقية حياته وقامت زوجته بطلب الطلاق منه وحصلت على الطلاق فعاد الدكتور سراج إلى قريته وقابله معلمه في الكتَاب وتحدث معه على مدار شهور وكان رفيقه الوحيد في وحدته حتى رجع الدكتور سراج عن أفكاره وتاب إلى الله عز وجل وراجع مع محفَظه كتاب الله وأصبح لا يغادر المسجد سوى للنوم فقط وأصبح كلما تذكر ما كان يفعل يبكى ويدعوا الله عز وجل أن يتقبل توبته وأن يغفر له، وعاد مرَة أخرى منارة لأهل قريته ومثلا أعلى لهم؛
2 أضف تعليق :
مقال رائع ومدونة ممتازة شكرا لك ...
بارك الله فيك
إرسال تعليق
نرحب بآرائكم وتعليقاتكم