14‏/07‏/2012

صراع المرض والجوع بالمقابر


عندما تأخذك قدميك لزيارة زميل في العمل علمت إنه مريض وتريد أن تطمئن على حالته الصحية وتقدم له مبلغ من المال تم جمعه من صندوق الزمالة وتستفسر من الزملاء عن عنوانه فلا يعلمه أحد فتذهب إلى شئون العاملين وتحصل على عنوانه فتجده في منطقة خارج الحزام السكني للقاهرة الكبرى تسمى منشية ناصر فتأخذ صديق من العمل وتنطلق في مجاهل القاهرة تبحث عن هذا المسمى فتجد نفسك بعد عدّة ساعات من التنقل بين المواصلات داخل المقابر وهنا عرفنا لماذا لم يعطي محمود عنوانه لأحد وتجولنا في المكان من كافة مداخله في الدروب والأزقة بحثا عن عنوان زميلنا محمود ولكن لا حياة لمن تنادي وقبل أن يدبّ اليأس في نفوسنا دخلنا المسجد لصلاة العصر وعقب انتهاء الصلاة أبصرني الأخ الأصغر لمحمود فتبعناه إلي حيث يسكن فإذا بمحمود ووالده ووالدته وإخوته البنات الثلاث وأخيه الصغير يسكن جميعهم في حظيرة لا تصلح لكي يسكن بها بعض الخراف خوفا من نفوقها من قلة الهواء وشدّة الحر فما بالنا بـ 7 من البشر يجمعهم سقف دكان مساحته لا تتعدى 8 متر X 4 متر ولا أكون مبالغ إذا قلت أنهم يأكلون وينامون ويلبسون ويتحدثون ويذاكرون ويغتسلون ويطهون طعامهم ويدخلون الخلاء ويتسامرون في هذه المساحة التي لا تتجاوز 32 متر وفي الحقيقة ليست هذه هي المشكلة فهم قد تعايشوا مع الموقف وعندهم قناعة ليست عند أثرياء مصر ولصوص الملايين ؛

المهم عندما علموا بقدومنا جلس الجميع في غرفة وتركوا الصالة لنا لكي نجلس مع محمود وبمجرد أن أبصرنا محمود اغرورقت عيناه بالدموع ولم يستطع أن يسيطر على نفسه فأجهش بالبكاء فعاجلناه بالأحضان وكان مشهد يمزق القلوب وفور تمالك محمود لنفسه سألنا لماذا لم نتصل به بدلا من تعب المواصلات فلم ندخل معه في حواره وحولنا دفة الحوار إلى إحساس الجميع بالعمل بالفراغ الذي سببه بمرضه وكيف إن الجميع يرغب أن يأتي للاطمئنان عليه فأخبرنا إنه في حاجة ماسة إلي عملية جراحية وينتظر أن يفرغ مكان في المستشفى الحكومي ليأخذ دوره وهنا نظرنا إلى بعضنا البعض وقام زميلي بإعطائه ظرف مغلق وأعلمناه أنه من صندوق الزمالة وسبحان الله كان محمود وأهله منتظرين أن نقدم له فاكهة أو حلوى أو عصائر مما تجلب لتقدم للمرضى فإذا به يأخذ بعض النقود ويبعث بأخيه ليحضر لنا مشروب مثلج وعاد هو فورا ليقدم لنا وابل من الشكر على هذا الفضل وعبثا حاولنا أن نخبره أن هذا حقه وفور حضور العصير قمنا ولم نشرب منه رشفة واحدة وقبلنا محمود ووعدناه أن نعود في الأسبوع القادم وطالبنا محمود بعدم إخبار أحد عن مكان سكنه وعاهدناه وفور هبوطنا من عنده شعرنا أننا كنّا تحت الأرض وأن المقابر ربما تكون أطيب من هذا السكن وهنا أخبرني رفيقي في المشوار إنه قرر أن يعطي محمود مبلغ من المال كان يدخره للمصيف وهنا قلت في نفسي أنا لست أقل عملا للخير منه بل أنا في أشدّ الحاجة للحسنات والثواب منه وعلى الفور جمعت بعض المدخرات البسيطة وعندما التقينا به بعد إسبوع أعطيناه المبلغ فرفض رفضا باتا وبعد حوار عن الإسلام والأخوة في الإسلام وماذا إن كنّا نحن مكانه هل كان سيبخل علينا بالمال فأخذ النقود وهو في أشدّ الحرج وأخبرنا إنه سوف يعمل العملية في عيادة إسلامية ولن ينتظر دوره في المستشفى وسوف يتركه لإنسان آخر محتاج وهنا فوجئنا أنه كان في حاجة لمبلغ صغير ولم يستطيع تدبيره ولم ننقطع عنه حتى خرج من العمليات معافا سليم وذهب إلى بيته على قدميه ؛ ومنذ ذلك التاريخ ونحن لم نتفارق وكلما وفرنا مبلغ من المال لسنا في حاجة له قمنا بتقديمه إلى جهة خيرية في هذه الأماكن النائية التي يتضور فيها الفقراء جوعا ولا أخفي سرّا إذا أخبرتكم أن هناك في هذه المناطق من يبحث عن طعامه في القمامة ونحن نقذف كل يوم وليلة في القمامة أطنان من العيش والأرز والطعام المطهي والفاكهة الفاسدة وبقايا الثلاجات التي لم تأكل ؛ يا بشر هناك ملايين الناس لا تجد لقمة العيش فلنتق الله عز وجل ونوفر من طعامنا لهؤلاء البؤساء؛ (( فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر وأما بنعمة ربك فحدث )) صدق الله.   

0 أضف تعليق :

إرسال تعليق

نرحب بآرائكم وتعليقاتكم

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...
Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Best WordPress Themes