تساءل الأهل عن سبب الخلاف بين شفيق وزوجته شفاعات فبرغم مرور خمسة عشر عام على زواجهم إلا أنها منذ نمى إلى علمها صدور قانون الخلع أحالت حياته إلى جحيم فكلما طالبها بحق من حقوق الزوجية تنصلت من وعودها وماطلته وعددت الأسباب ،الأولاد وطلباتهم، والمنزل ومهامه التي لانتهى ،والأكل واعداده ويتساءل الأستاذ شفيق :لماذا إذا تزوجت بربة منزل ولم أتزوج امرأة عاملة ،تجيبه شفاعات جوه وبره فرشت لك وأنت ولا شيء يعجبك ،وتعقب بيت أبويا مفتوح أكل وأشرب وأتنعم في خيره ،ده أنا اللي في سني لم يتزوجوا بعد ،ويتجنب شفيق الاسترسال في الكلام عسى أن ترفع عن كاهله وجودها بالمنزل لعلمه أن أبيها لن يتحمل حماقاتها أكثر من ساعات ،ثم إن أولادها شاديه وشرين وشفيع لا يحتمل متطلباتهم أنس ولا جن ،ويشغل شفيق أوقات فراغه بالقراءة عسى أن تنتشله من الأرق الذي ينتابه كلما عاد من عمله إلى المنزل.
وذات يوم علم من زميله له في العمل أنها خلعت زوجها فأخذه الفضول وسألها ،عن سبب طلب الخلع فقالت إن زوجها يكثر من هجرها وهى تخشى على نفسها الفتنة وتخشى ألا تقيم حدود الله ولم يستطيع الأستاذ شفيق الصبر على كلامها المستفز، فعاجلها بسؤال :وهل من هي في مثل سن حضرتك يُخشى عليها الفتنه وهنا أدرك الأستاذ شفيق أن عليه مغادرة المكتب فورا وإلا سوف يقع مالا يحمد عقباه ،وأطلق الأستاذ شفيق لقدمه العنان ووقع في دفتر الانصراف من العمل ،
أخذته قدماه إلى مدرسة ابنته الكبرى شاديه ،فهي في الصف الثاني الإعدادي واستأذن ليقابل الناظرة فأخبروه بأن عليه الانتظار في غرفة المدرسين حتى تنتهي من اجتماعها وذهب الأستاذ شفيق حيث أرسلوه وجلس بغرفة المدرسين ،وإذا بالمدرسات يتحدثن عن الخلع وأنه كان موجود في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ،وأنه من الإسلام وتجاذب الجميع الحوار حول الموضوع وعظمة الإسلام في رفع شأن المرأة وصبوا جام غضبهم على الرجال
وقالت إحداهن سوف أطلب الخلع لأن زوجي لا يساعدني في أعمال المنزل ،وأنا أعمل مثله وأصرف على نفسي من مرتبي وأعمل مكياج بفلوسي ومصاريف السونا وعضوية النادي من مرتبي ، وسوف أقول للقاضي أنني أخشى على نفسي الفتنه ،وهنا نظر الأستاذ شفيق إليها وقال وهو يمتعض :ربنا يكون في عون زوجك ،وما إن انتهى حتى تحولت القاعة إلى ساحة قتال ،هذه تلعن وتلك تشتم وأخرى تطالب برؤوس الرجال ،
انطلق الأستاذ شفيق تاركا الحجرة وهو ينظر إلى الساعة عسى أن يدخل الليل فيذهب إلى البيت ويستريح من عناء الخلع ،ولكن الساعة لا تزال الحادية عشر صباحا وباقي على الساعة الخامسة الكثير ،فأين أذهب ،وانطلق إلى حيث مدرسة ابنته الوسطى شوقيه بالصف الأول الإعدادي وطالب بلقاء الوكيلة ليتعرف على سلوك ابنته ،وسمحوا له بلقائها بعدما تنتهي من بعض الأمور الإدارية ،وطلبوا منه الانتظار عند السكرتارية ،ومضى إلى حيث أمروه وجلس وسط الموجودين ،وتفحص الحضور فوجدهم مشتركين في شيء واحد ،وهو أن كلا منهم يتصفح موضوع الخلع بجريده ما ،وما هي إلا دقائق وبدأ الحوار الكل يتساءل "الخلع حق أريد به من جانب الزوجات باطل ،أم حل جزري لتعنت بعض الأزواج في استعمال حق الطلاق والمساومة عليه لتتنازل الزوجة عن بعض حقوقها !" ولم يتدخل الأستاذ شفيق في الحوار وقال كفى الله المؤمنين القتال ، ولكن أحد الحاضرين أستفز الأستاذ شفيق بالكلام للدرجة التي جعلته يدلى بدلوه في الموضوع بأن قال إن الزوجة هي العمود الفقري للبيت فأن صلحت صلح البيت كله وإن فسدت فعلى الدنيا السلام ،وما إن أنتهي من كلامه إلا وأمطرت السماء قنابل أنثوية من أخير الألفاظ المنتقاة من قاموس هجاء الرجال وهنا لم يطيق الأستاذ شفيق صبرا وغادر المدرسة وهو يتساءل مع نفسه لم أجد موظف واحد يشتغل بضمير أثناء ساعات العمل ،الكل يتحاكى عن قانون الخلع ومن الظالم والمظلوم
فطن أنه أحد هؤلاء الذين لا يعملون بضمير ويتقون الله في مرتباتهم والدليل أنه يتسكع في الطرقات أثناء ساعات العمل مهما قدم لنفسه من مبررات ،وما كان منه إلا أن قال أذهب إلى بيت والد زوجتي فأنه رجل فاضل ولا يرضيه ما تفعله ابنته بي ،وانطلق إلى حيث قرر وقبل أن يطرق الباب سمع “والله ما عايشة معاك في البيت ده مرة ثانية أنا ذاهبة عند ابنتي وأبعث لي ورقة طلاقي على بيت زوج بنتي أو سوف أتقدم للقضاء بطلب خلع" ،
وهنا أسودت الدنيا في عنى الأستاذ شفيق. وتساءل أهذه السيدة الوقورة التي كنت سوف أستنجد بها تطلب الخلع من زوجها بعد أربعين سنه زواج ،ماذا حدث للناس ؟يا ترى الحالة الاقتصادية هي السبب أم الغلاء أم السحابة السوداء ؟؟
واندفع الأستاذ شفيق من أمام الباب قبل أن يشعر به حماه وحماته ،ونظر في الساعة فوجدها لم تبرح الثانية ظهرا فقال في نفسه أين اذهب وأخذته قدماه إلى موقف الباصات وركب أول باص يقله حيث يذهب فيصل إلى خط النهاية ثم يعود به وهو جالس مكانه دون عناء ،وركب شفيق الباص وما هي إلا دقائق واصبحت لا ترى موضع قدم وحمد الأستاذ شفيق الله أنه ركب وجلس ولم يعانى كما يعانى الوقوف ودقائق وركبت شابة على قدر من الجمال ،وجذبت أعين الرجال ولكن أحدا لم يدعوها للجلوس ،فتحدثت مع امرأة جالسة بصوت يسمعه الجميع عن قلة الذوق عند الرجال وعدم مراعاتهم للمشقة التي تعانى منها الفتاة العاملة والزوجة الموظفة وهنا قال أحد الرجال "أقعدوا في بيوتكم هي المواصلات تستوعب الرجال لما تستوعب السيدات "،فانفتحت نار جهنم على الرجال من السيدات الحضور ،وهنا انبرى الأستاذ شفيق في الكيل للسيدات بأنهم سبب كل الكوارث ،فمنذ أن خرجت هدى شعراوي عن إجماع الأمة وخلعت الحجاب ونادت بتحرير المرأة والأخلاق تسير من سيء إلى أسوء ،وانتشرت المخدرات ،وعمت البطالة أرجاء البلاد ،وتفككت الأسرة وضاع الأولاد ،وانحرفت الفتيات فلم يعد في البيت أحد يسأل الأولاد عن سعيهم طوال ساعات اليوم أين ذهبوا ومن يصادقون ،وتعددت المشاكل الزوجية بسبب عودة الزوج إلى البيت فلا يجد أحدا ولا يجد طعام أو ملبسا أو أم يلتف حولها الأولاد ليقصوا عليها أحداث يومهم.
وكثرت حالات الطلاق في المجتمع ،وقال الأستاذ شفيق في حده "عودوا إلى بيوتكم يرحمكم الله فربما تعود الحياة إلى ما كانت عليه ،وترجع عناوين الصحف بوظائف خالية ،وشقة للإيجار ،ولا نجد على المقاهي فتيات صغار السن يدخن الشيشة ،والشباب يتعاطى المخدرات ،ولا تتفشى في الجامعات ظاهرة الزواج السري وربما يجد الرجال مكان لهم في المواصلات ،ويجد الشباب العاطل عمل فيقبل على الزواج فتقل العنوسة لدى الملايين من الفتيات وبالتبعية تقل الممارسات الغير سوية لديهم"
وما إن أنتهي الأستاذ شفيق من كلمته حتى انهالت عليه أشد الكلمات بذاءة من بعض المناديات بحرية المرأة، وقالت إحداهن إن الله من علينا بقانون الخلع وليس للرجال علينا بعد اليوم أي قوامة ؟؟فنحن نصف المجتمع ، ونعمل مثلهم ،ولنا صوت في الانتخابات مثلهم ولنا تمثيل برلماني مثلهم ،ولنا ذمة مالية خاصة بنا ،وأصبح للمرأة مكان في الجيش والشرطة والوزارة ،والقضاء وغدا قد تصبح رئيسة جمهورية ، وربما جاء يوم تجد المرأة إمام مسجد أو خطيب مسجد ؟!!
وهنا أرتفع الضغط في عروق الأستاذ شفيق ،وقال للمتحدثة "فعلا ناقصات عقلا ودين"، ولك أن تتخيل عزيزي القارئ ماذا حدث للأستاذ شفيق ،طارت حوله الأحذية من كل المقاسات ولم يجد له ملجأ إلا القفز من الباص وهو يسير فذلك أرحم من الجدال مع أنوثة المرأة العاملة ،وأضحى ينعى حظه الذي ورطه كل هذه الورطة وضرب كفا بكف ،وقال في نفسه أعود إلى البيت فنار زوجتي ولا جنة الحوار عن الخلع.
عبر الطريق ليستقل الباص من الجانب المقابل وأنتظر كثير من الوقت ولم يمر الباص المراد ركوبه ،فسأل الاستاذ شفيق مواطن بجواره هل الباص رقم كذا يمر من هنا ،فقال له المواطن لا وأسهب قائلا إنني أقف هنا منذ عدة ساعات لم يمر رقم كذا وكذا وواصل الرجل حديثه حتى وصل الحوار إلى خبر اليوم فقال له ألم تقرأ عن صدور قانون الخلع ،وهنا تعجب الأستاذ شفيق وقال له "إنني منذ الصباح لا هم لي إلا الحديث عن الخلع فأدلى بدلوك وخبرني عنه حتى يأتي الباص"
فقال له المواطن بعد أن تنهد بعمق “،الله يرحم أيام زمان كان الراجل ينظر لزوجته بطرف عينه تقع مغشيا عليها ،وكان لا يستطيع الولد أن يجلس وأبيه واقف ،وكانت الأسرة لا تأكل إلا بعد أن يأكل الزوج وكانت الزوجة لا تغادر بيت زوجها إلا بأذن منه ،وكانت الزوجة ربة منزل من الدرجة الأولي ،ومربية للأولاد ومعلمه لهم وكانت كما قال الشاعر الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق ،وكان الرجل يعود إلى بيته فيجد الهدوء والسكينة والطعام معد ومجهز على أفضل صورة للآكل ،والاولاد تعلم الأم عنهم كل صغيرة وكبيرة ،وكنت إذا رغبت في الزواج لا تنفرد بخطبتك للتحدث معها إلا بعد أن تعقد عليها وربما طلبوا منك أن تراها بعد عقد الزواج ،أما اليوم فالأمهات لا تعلم شيء عن بناتهن ،وأصبحت البنت تعود للبيت في منتصف الليل ولا تقبل أن يستفسر أبويها عن سبب التأخير ،وتظن إن ذلك تدخل في حياتها وحد من حريتها التي كفلها قانون تنوير المرأة بألا تعمل في النور وقانون تحرير المرأة من ملابسها ،وقانون حماية المرأة من كل ما هو حلال !!"فلأول مرة يشعر الاستاذ شفيق بالراحة من هذا الكلام ،وقرر أن يدعوا هذا المواطن إلى كوب شاي عنده في بيته ليتعرف عليه ويسعد باستكمال الحوار بينهم لعل أم الأولاد تسمع بعضا من هذا الحديث فتغير من شأنها ،فحدثه الاستاذ شفيق بما يكنه له من إعجاب ودعاه لتناول كوب من الشاي بالبيت وقبل الضيف الدعوة وذهبا سويا إلى المنزل ،وما إن رأته أم الأولاد إلا واستقبلته من على السلم "إنت جيت وإيه اللي جيبه معاك ده" فقال لها "ضيف" فقالت "ياما جاب الغراب لأمه" فرجوها أن تؤجل التوبيخ إلى ما بعد انصراف الضيف ،فقالت له "ومن سوف يُخدم عليه" ،فقال لها الاستاذ شفيق "أنا سأخدم عليه ،وكل الموضوع كوب من الشاي “فعاجلته "لما أنت جدع كده خذه وأجلس على المقهى" فقال لها "لا تقللي من هيبتي أمام ضيفي" ولكنها أصرت على موقفها وقالت "لا أنا لا هو في البيت" ،وهنا طالبها بالتروي وألا تجعل للشيطان مكان بينهم ،ولكن هيهات فقد تمكن منها الشيطان .وأصرت على ترك المنزل ،فقال لها الاستاذ شفيق "أنتي وما تريدين ولكن تذكري لن أبادر بالذهاب إلى بيت أبيك لأعيدك ،فإذا رغبتي في العودة فلتأتي بنفسك"
حاول الضيف أن يتدخل وأحس بالحرج مما حدث ،ولكن الاستاذ شفيق أوضح له أنها ليست المرة الأولى التي تترك فيها زوجته البيت فمنذ صدور قانون الخلع وهى تفعل به الأفاعيل لكي يعرف أن هناك مساواة بين الرجل والمرأة فإذا كان في يده الطلاق ففي يدها الخلع ..وجالس الأستاذ شفيق صاحبه وأخذهم الحديث إلى شتى نواحي الحياة من اجتماعيات إلى اقتصاد إلى سياسة إلى ثقافة ،وأحس لأول مرة بالحرية فانطلق في ربوع الشقة وفتح كل نوافذها ليتنسم عبير الحرية ،وقال في نفسه إذا كان من الموت بدّ فمن العار أن تموت سجينا ..
و تبادر إلى ذهنه "ماذا سيحدث حين يدخل في بيته بجانب المحمول النت و هو على علم يكاد يُجزم به أن زوجته لن تعود إلى البيت إلا في وجود محمول لكل أبنائها و لاب توب بالنت لها"
0 أضف تعليق :
إرسال تعليق
نرحب بآرائكم وتعليقاتكم